الأحد، 8 أغسطس 2010

" سقْطُ " قلب

كان الوجوم باد على وجوه الحاضرين في الغرفة ..كانت عتمة غمّ قد حطت بستارها حوالين الجميع ..نظر الضابط تجاه المرأة وهي تضم بقوة طفلا رضيعا ..كانت تشده جهة اليسار ..حيث يخفق القلب دندنة حنونة لم تألفها من قبل أذن الطفل..


-"من تكون ؟"

-".. زوجتي يا سيدي ..."..

-"حسنا تحديدا ما الذي حدث ..؟"

"كان الهواء فجر اليوم شديد البرودة ..كنت متوجها لرفع الأذان لصلاة الفجر ، لم أدرك مصدر ذلك الصوت إلاحين اقتربت أكثر من باحة المسجد..كان .."

كان غصة تعصر كل فؤاد قادر على أن يخفق وسط زحام اليأس ..كان حسرة تأكل كل قلب تصحرت سويداءه لكثرة البؤس..كان ممددا أرضا فوق عتبة المسجد.. يلفه بعض قماش بالٍ لا يقي من هلاك ولا يسد قرصة الهجر!

"حملته يا سيدي ..وأسرعت به نحو الدار ..حيث تلقفته زوجتي بكل اللهفة التي تملكها ..و لا تزال تحتضنه مذ ذاك الوقت ..كان .."

كان يبكي بدموع سخية مالحة .. أشد ملوحة من هدرة البحر حين تعصف به موجات الحياة العاتية.., غزيرة ..أكثر غزارة من هطلة المطر حين يستحثه يباس الأرض القاحلة.. ,موجعة ..أكثر من طعنة غدر في ظهر كبرياء غافل ..

-" هات عنك يا سيدتي .."

خاطبها الضابط راجيا ..

شدّت عليه أكثر ضمته قريبا من خفقها أكثر ..اعتصرت ألمها وغيظها وحرقتها ,..تحركت شفتاها غصبا :

- "..لا ..!!"

-"هاتيه يا امرأة ..دعيه يأخذه....لا حول ولا قوة إلا بالله .."

تشبثت به أكثر ..قلّبت ناظريها بينهم الواحد تلو الآخر ,..كان الجميع يتأهب كي يأخذه منها لدار الرعاية ..أو إلى حيث يجب أن يلقى العناية اللازمة .

..وكانت هي لا تزال تقلب ناظريها تصفع وجوههم باستفهامات كثيرة

حدقت في وجه زوجها مستنكرة مستغربة حوقلته ,..تطلعت تجاه الضابط الذي يريد تسلم الطفل منها بقوة ..,شعرت أنه يتجرأ عليها أنه يتجاوز حدود الأدب معها ..أنه يتصرف بوقاحة معها:

-"من يقدر على فعل هذا ..؟؟"

أشاحت بنظرها عنهم نحو السماء التي تتراآى لها رغم السقف الإسمنتي ..وغابت في وعيها وكأنها تتدارك صرخة تجتاح صدرها بشدة..شدت على أجفانها كي تعينها على ذرف دموعها التي تجمعّت في المآق لوعة ً ..هزّت رأسها بعنف حتى تتمكن من رؤية ذلك الطهر الذي تلفه بذراعيها

-"من فعل بك هذا ..أخبرني يا .. يا ولدي !!"

قالتها همساً "يا ولدي..!"

أخذت تتحسس وجنة الطفل بوجنتها شعرت بحرارة دمه البكر يتدفق أسفل جلدها .. شعرت بروحه العذراء يلملمها الخجل عميقا في داخله ..كانت شفتاه تتحركان حركة عفوية لالتقام ثدي أمان لا ينضب .. كانت جهنّم تأجج داخلها

حدقت بهم مرة أخرى ..بغضب هذه المرة ..

-" علموهن كيف يحترفن فلا يخطئن!.."

-"حسبي الله ونعم الوكيل ..هاتيه يا امرأة هذا ليس وقته .."

بدأ صوتها يتهدج ..يضعف ..يتوسل ..

-"لا ..!!..علموهن كيف يحترفن .... !.."

-"أستغفر الله العظيم ..أسكتي.. هاتيه .. عنك يا امرأة ...لا عليك ..لا بأس ..هاتِ " أخذ يحتضنه برفق وظلت تشده تجاه خفقها ..تود لو تحبسه أضلعها فلا تسلبها يد إياه ..تعلقت أنامله الصغيرة بخصلة من شعرها خلسة.. فنهضت كي لا تسرّع تفلتها من بين يده فتؤذيه..,تشممت عقلات أصابعه الصغيرة التي أحاطت إبهامها على الفور برقّة ..ثم ارتمت فوق مقعدها واضعة يديها على فمها محاولة اسكات الوجع الذي بدأت تزفره بعنف..

كان الأيادي تتناقله الواحدة تلو الأخرى ابتداءا من يد زوجها الذي ناوله للضابط ...حتى اختفى في نهاية الغرفة ..كسحابة في زرقة أو كزورق في لجّة ..

بدأ نشيج بكائها يعلو ..حين استأذن الرجل كي يمضي بها لدارها ..

كانت لا تزال تعانق بذراعيها جسدها ..تشد على الجهة اليسرى بقوة ..تهدهد لقلبها كي ينسى أو يسلى..

تناول كأسا من الماء ..وبعض دواء كانت تستعين به علّ أن تنبت روحا داخل أحشائها ,كانت تعلم جيدا أن جرعة الأمومة التي تناولتها ذلك اليوم تغني عن كل علاجات العالم،....ربّت على كتفها بيده الراجفة ,..توسّد أذكار النوم ..وتنهد كل الحزن الذي جثى فوق صدره ذلك اليوم ..وغفى بعد أن تسللت دمعة قهر خارج جفنه المطبق .



.

.
منتديات الساخر







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق