الأسود أكثر الألوان كثافة ....الأسود لا يشفّ ....الأسود هذا اللون الكتوم هو اللون المفضّل للّيل !
إنها الساعة الثانية عشر منتصف الليل تماما ..ساعة الهدوء التام ..والصمت المميت ..
أغلق باب بيته برفق ..شد فوق ظهره صندوقا خشبيا عتيقا ..وبدأ كعادته يطرق همسات الظلام ..ويغتصب هدوءه بأذنيه ..ويراود النوافذ عن بعض ما تخبّيء ..
الطريق معتمة ..يكاد يرى أصابع قدميه لا أكثر ..ولكن النوافذ كانت كالنجوم علامات يستدل بها ..أكثرها إضاءة ؛ كان أكثرها ألما أكثرها احتراقا!
..أشدها التماعا ؛ كانت أشدها حزنا ..أوشكها انطفاءا!
دون أن يستأنس أو يسلّم! ..كان يقف فوق الرصيف بأقدامه المهترءة ..وملامحه الممزقة ..ويداه المرتجفتين ..يتمسك بحافة الشباك ..يرفع رأسه محدقا باتجاه الداخل ..كان يتأكد أن المصاب جلل قبل أن يفعل ..كان يطمئن إلى أن اليأس يتكيء على حافة تلك النافذة معه _بشغف_ أيضا ..ثم يشرع إلى صندوقه الخشبي يركنه جانبا \ ..ويفتحه عن آخره ..يفتحه لمدة كافية ..كافية جدا !
لم يكن يتحرك حتى تنطفيء الأضواء ..ويخبو الحزن ..ويصمت الألم ..!
كان يلملم بضاعته ...يقفل الصندوق جيدا .ويعاود رفعه فوق ظهره ..ثم يتجه مثقلا إلى حيث داره ..يلجه بهدوء .. ..يسدل الستائر جيدا ..ويضيء غرفته ما استطاع ..يتناول أقرب حلم له ..يتدثر به ..ثم يفلت روحه ما يكفي من الوقت كي ينام!
أصبح الحديث صباحا عنه فاتحا لشهية الكلام عند أهل الحي ..كان الجميع ينظر إليه بريبة ..خاصة أنه وبعد كل نافذة يقف عندها كانت تحدث مصيبة ما ..!
البارحة توفيت فتاة صغيرة ..كانت مصابة بمرض ..لم يسطع أهلها لشفائها سبيلا ..اليوم الذي سبقه ..كانت هناك عجوز كبيرة في السن ..تعاني سكرات الموت أيضا ..ماتت هي الأخرى .
في يوم آخر رحلت عائلة ما وغادرت الحي للأبد بعد أن فشلت كل محاولاتهم للبقاء فيه .كان هذا الرجل وصندوقه هناك أيضا!
وبالطبع لا ينسى أهل الحي ..ذالك الشاب الذي فقد ساقه بعد إصابة عمل بالغة وبات عاطلا عن ممارسة أي شيء!أحدهم شاهد الرجل وصندوقه هناك.. أيضا!
و تلك السيدة التي هجرها زوجها دونما عودة ..وتركها تصارع سكرة العيش وحدها..!
وغيرهم كثير ..!
كثيرة هي الأسئلة والتي كانت تتلاسنها أفواههم كل صباح حوله..ثم ما يلبث كد اليوم وهمّه يشغلهم ..فيريحونه بعض الوقت من وعثاء استفهامهم!
"يكاد هذا الصندوق الأحمق يمتليء ..ولكن دون جدوى" يائسا محبطا كان يتمم بينه وبين نفسه
كان يطيل النظر إليه كل مساء ممنيا نفسه بالكثير ..كان يلتقط كل ما جمع يقلبه ..يلملمه وويضعه جانبا ..ثم يعود ينفض عنه غبار الوقت ..ثم يعيده مكانه ..
بدأ يشعر بالهزيمة ..والخسارة ..كان يعرف أنه يحتاج لأكثر من هذا .. كان يريد أكثر من هذا ..كان يصر على أنه لا زال لديه عمل كبير ..
يحتاج لأن يملأ هذا الصندوق أكثر حتى يتحقق له ما يريد ..وجل ما يريد هو بضع لحظات من (السعادة) ..كان يعتقد أن( الأمل ) بضاعة مقدسة ..لا يجب أن يتخلى عنها صاحبها ببساطة ..كان يؤمن أن الأمل قابل لللإستهلاك مرارا ومرارا ..كان أكيدا أنه لا أحد يمكنه أن يفقد ( الأمل )..هو فقط يلقيه من نافذته غير عابيء أين يقع ..هو فقط ..يتخلى عنه ..لأي عابر ولأي طارق ..دون حتى أن يدرك حجم خسارته!
لم يكن يسرق أحدا .لم يكن يستجدي أحد ..كان فقط يقتات على فتات (الأمل) الملقى جانبا المهمل دون أي اعتبار او تقدير ..كان يعرف جيدا أنه يحتاج لكمية أكبر ..حتى يقنع (حلمه) ..وتقرّ (أمانيه)!
حزم رغباته ..وكل أحلامه ...وضّبها جيدا ثم وضعها في جيبه الأيسر ..رفع صندوقه فوق ظهره ..
وعزم على متابعة الترحال بين المدن الغريبة التي لا تعترف بالأمل.. بين الأزقة والحارات التي يطوقها اليأس ..بين نوافذ البيوت المضاءة ..قبل أن تعتم ..تنطفيء....وتطفيء معها شيئا يريده بقوة ..شيئا يحتاجه جدا ..شيئا مقدسا يسمى ( الأمل)!
منتديات الساخر
إنها الساعة الثانية عشر منتصف الليل تماما ..ساعة الهدوء التام ..والصمت المميت ..
أغلق باب بيته برفق ..شد فوق ظهره صندوقا خشبيا عتيقا ..وبدأ كعادته يطرق همسات الظلام ..ويغتصب هدوءه بأذنيه ..ويراود النوافذ عن بعض ما تخبّيء ..
الطريق معتمة ..يكاد يرى أصابع قدميه لا أكثر ..ولكن النوافذ كانت كالنجوم علامات يستدل بها ..أكثرها إضاءة ؛ كان أكثرها ألما أكثرها احتراقا!
..أشدها التماعا ؛ كانت أشدها حزنا ..أوشكها انطفاءا!
دون أن يستأنس أو يسلّم! ..كان يقف فوق الرصيف بأقدامه المهترءة ..وملامحه الممزقة ..ويداه المرتجفتين ..يتمسك بحافة الشباك ..يرفع رأسه محدقا باتجاه الداخل ..كان يتأكد أن المصاب جلل قبل أن يفعل ..كان يطمئن إلى أن اليأس يتكيء على حافة تلك النافذة معه _بشغف_ أيضا ..ثم يشرع إلى صندوقه الخشبي يركنه جانبا \ ..ويفتحه عن آخره ..يفتحه لمدة كافية ..كافية جدا !
لم يكن يتحرك حتى تنطفيء الأضواء ..ويخبو الحزن ..ويصمت الألم ..!
كان يلملم بضاعته ...يقفل الصندوق جيدا .ويعاود رفعه فوق ظهره ..ثم يتجه مثقلا إلى حيث داره ..يلجه بهدوء .. ..يسدل الستائر جيدا ..ويضيء غرفته ما استطاع ..يتناول أقرب حلم له ..يتدثر به ..ثم يفلت روحه ما يكفي من الوقت كي ينام!
أصبح الحديث صباحا عنه فاتحا لشهية الكلام عند أهل الحي ..كان الجميع ينظر إليه بريبة ..خاصة أنه وبعد كل نافذة يقف عندها كانت تحدث مصيبة ما ..!
البارحة توفيت فتاة صغيرة ..كانت مصابة بمرض ..لم يسطع أهلها لشفائها سبيلا ..اليوم الذي سبقه ..كانت هناك عجوز كبيرة في السن ..تعاني سكرات الموت أيضا ..ماتت هي الأخرى .
في يوم آخر رحلت عائلة ما وغادرت الحي للأبد بعد أن فشلت كل محاولاتهم للبقاء فيه .كان هذا الرجل وصندوقه هناك أيضا!
وبالطبع لا ينسى أهل الحي ..ذالك الشاب الذي فقد ساقه بعد إصابة عمل بالغة وبات عاطلا عن ممارسة أي شيء!أحدهم شاهد الرجل وصندوقه هناك.. أيضا!
و تلك السيدة التي هجرها زوجها دونما عودة ..وتركها تصارع سكرة العيش وحدها..!
وغيرهم كثير ..!
كثيرة هي الأسئلة والتي كانت تتلاسنها أفواههم كل صباح حوله..ثم ما يلبث كد اليوم وهمّه يشغلهم ..فيريحونه بعض الوقت من وعثاء استفهامهم!
"يكاد هذا الصندوق الأحمق يمتليء ..ولكن دون جدوى" يائسا محبطا كان يتمم بينه وبين نفسه
كان يطيل النظر إليه كل مساء ممنيا نفسه بالكثير ..كان يلتقط كل ما جمع يقلبه ..يلملمه وويضعه جانبا ..ثم يعود ينفض عنه غبار الوقت ..ثم يعيده مكانه ..
بدأ يشعر بالهزيمة ..والخسارة ..كان يعرف أنه يحتاج لأكثر من هذا .. كان يريد أكثر من هذا ..كان يصر على أنه لا زال لديه عمل كبير ..
يحتاج لأن يملأ هذا الصندوق أكثر حتى يتحقق له ما يريد ..وجل ما يريد هو بضع لحظات من (السعادة) ..كان يعتقد أن( الأمل ) بضاعة مقدسة ..لا يجب أن يتخلى عنها صاحبها ببساطة ..كان يؤمن أن الأمل قابل لللإستهلاك مرارا ومرارا ..كان أكيدا أنه لا أحد يمكنه أن يفقد ( الأمل )..هو فقط يلقيه من نافذته غير عابيء أين يقع ..هو فقط ..يتخلى عنه ..لأي عابر ولأي طارق ..دون حتى أن يدرك حجم خسارته!
لم يكن يسرق أحدا .لم يكن يستجدي أحد ..كان فقط يقتات على فتات (الأمل) الملقى جانبا المهمل دون أي اعتبار او تقدير ..كان يعرف جيدا أنه يحتاج لكمية أكبر ..حتى يقنع (حلمه) ..وتقرّ (أمانيه)!
حزم رغباته ..وكل أحلامه ...وضّبها جيدا ثم وضعها في جيبه الأيسر ..رفع صندوقه فوق ظهره ..
وعزم على متابعة الترحال بين المدن الغريبة التي لا تعترف بالأمل.. بين الأزقة والحارات التي يطوقها اليأس ..بين نوافذ البيوت المضاءة ..قبل أن تعتم ..تنطفيء....وتطفيء معها شيئا يريده بقوة ..شيئا يحتاجه جدا ..شيئا مقدسا يسمى ( الأمل)!
منتديات الساخر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق