الأحد، 8 أغسطس 2010

حيث تلفح الشمس وجهك

ككل فجر ..استيقظ قبل السحر ..توضأ ..وأقبل يسعى بنور من الله ..كانت نسمات باردة من هواء طيب الأنفاس تتسلل متخللة معطفه تلامس شغاف قلبه ريح من الصبا تلفحت به روحه ...


ظلت تسابيحه تتردد ..وظل لسانه رطبا ..تارة يستغفر ..وتارة يحوقل ..وتارة يهمس بالدعاء..

بزغ نور النهار وانشقت الظلمة بأشعة من صباح يوم جديد ..فعاد أدراجه باتجاه داره ..حيث كانت ريم تنتظره ..ريم هذه الفتاة الصغيرة ...التي كنت حبيسة ليل طويل ..كانت تتلمس خارجا عندما رآها ..يكبرها بعشر سنوات ..كانت كل ما تبقى له ..وكان هو كل ما تبقى لها ..

_ ريم ..إلى أين ...ألم أطلب منك أن لا تخرجي أثناء غيابي ...تعالي تعالي هات يدك ..

_يا الله يا مجاهد ..ألا زلت تخاف علي ..إنتظر قليلا سأذهب لبيت جارتنا أم محمد لحاجة ..دعني الآن ..

_لا ..أنا أحضر لك ما تريدين ..أخبريني ما طلبك ..؟

_أخي مجاهد لا تخشى علي لن أضيع ..أنا أعرف كيف أتلمس طريقي ..أنا أ ..

_أختاه حبيبتي ..أنت أمانة في عنقي ..ومن واجبي أن أخدمك.. أخاف عليك من نسمة الهواء يا ريم هل تفهمين ذلك لن أسامح نفسي إذا أصابك مكروه ..

_حسنا حسنا يا مجاهد هوّن عليك ..هون عليك كل ما في الأمر .أنني ..اشتقت لجارتنا أم محمد فأنا اشتم رائحة أمي في ثيابها ألا تذكر كم كانتا صديقتين ..لا زلت أذكر كيف كانت تلتقيان كل صباح للذهاب للحقل أو لقطف الزيتون أو لحاجة لهما في السوق أذكر ضحكاتهما ..حتى تقاسيم وجهيهما كانتا متشابهة إلى حد قريب ..

عندما أكون بقربها أذكر أمي ..أعيش أجواءها ..أتحين نفحاتها ...

زهقت يا مجاهد فأنا دائما حبيسة هذه الدار مللت ..أردت الخروج قليلا ..

_طيب طيب ..خير إن شاء الله ما رأيك أن نذهب معا إلى البحر غدا ؟

_حقا ..أحقا ما تقول ..نعم أريد ذلك أريد ذلك بالتأكيد ...شكرا يا مجاهد يا أخي ..يا أخي الوحيد..

ولكن ...ألا تخاف أن ..

_أخاف ماذا يا ريم ..لن نخشى شيئا ..لا نخشى شيئا أتذكرين الوعد ..فنحن عشاق شهادة أتذكرين ...

_أذكر أذكر يا أخي الحبيب ..وكيف لي أن أنسى ...

وانكبت على صدر أخاها تقبله وتشده إليها ..

_إذا موعدنا غدا يا ريم .

_.موعدنا غدا يا مجاهد ...

ريم تحب البحر ..كانت كثيرا ما تحدق في أفقه عندما كان لها أن تحدّق ..كانت دائما تقف عند الغروب ... لحظات تتهادى فيها الشمس مختبئة خلف البحر ..رائحة الزبد الدبقة ..صوت طيور النورس ...لوحة كانت ريم تعشقها ..وتقف عندها طويلا ...

_تعالي ..هيا ياريم ..لنمضي ..بسم الله ..

ومضى اليوم ..كانا يتبادلان الذكريات ..عن أحباب مضوا ..وقضوا ....وجاءت لحظة الغروب عندما ترتسم لوحة ريم في صفحة السماء ..نهضت وتقدمت باتجاه الموج ...

_ريم إحذري ..

_يكفي يا مجهاد ..لا تخشى شيئا ..إنها لحظة الغروب ...

_و..وو ..وكيف عرفت !

_الشمس يا مجاهد الشمس خفتت حدتها ..لم أعد أشعر بوهجها ..هذا يدلني أنها لحظة الغروب ..لم تعد تلفح وجهي ..

ممممم

استمع الآن هاهي أصوات طيور النورس ..أسمعها قادمة من بعيد ...وضربات الموج تتكسر على صخر الشاطيء ..كلها أرسمها الآن في مخيلتي لوحة لا تنتهي ..ومشهد ابدا مستمر

لا ينتهي لا ينتهي أبدا ...كما في الماضي غير أنني أرى وجه أمي ..وأبي ..وأخوتي كلهم ..وكل من قضى ..أرى الآن أرضي وأشجار التين والزيتون هنا ..وهناك ....وبلادي واحة صافية ...لا يدنسها أحد ..ولا أحد يا مجاهد..

_آآآه آآآه يا ريم ...كم أغبطك ..

_تغبطني لأنني لا أستطيع أن أرى ...

_بل لأنك ترين ما تريدين ..ما أجمل لوحتك يا ريم ليت لي أن أراها ..فأنا لا أرى سوى القتل والتدمير ..لا أرى سوى هدم البيوت وتشريد أهلها لا أسمع أصوات النورس ولكن أصوات الأطفال يبكون والنساء تجهشن ..هل تسمعين ..وألقنابل والرشاشات ..وألم هنا وأنّات هناك ...ودمار ..دمار يا ريم ...

_ولوحتك ..يا مجاهد ...؟

يا عاشق الشهادة !

_يا لله ..هي لوحة واحدة خالدة في مخيلتي ..إدع لي بالشهادة يا ريم ..ادع لي ..

_مجاهد ..خذني إلى الحقل ..

_مم ماذا الآن ..

_نعم أرجوك ..

_ولكنه بعيد ..غدا إن شاء الله في الصباح الباكر ..أو ربما الأسبوع القادم ..مارأيك ..

_هل تعدني أعدك

لم يكن الأمر سهلا ..اليوم المواجهات على أشدها وأصوات القنابل عالية لم تتوقف

_ألا زلت تريدين الذهاب ..

_أود ذلك يا مجاهد أرجوك ..

_حسنا حسنا سنذهب ..

_ ما أجمل رائحة الشجر ..هذه شجرة زيتون ..وهذه شجرة التين الكبيرة حيث كان يجاس والدي ..

_نعم يا ريم أنت محقة .

_والآن دعينا نستريح قليلا ..

واستلقى مجاهد مستندا على ذراعيه محدقا في زرقة السماء ..وعود يابس يلوكه في فمه ...

_هل ستلتحق بهم يا مجاهد .

_هل تقصدين المجاهدين.؟

_نعم

_لا أدري

_أنا السبب اليس كذلك

_لا عليك ....دعي الأمور لتيسير رب العالمين ..

قوي صوت الرشاشات ..

_ماالأمر يا مجاهد ماذا يحدث ..

_لا أدري يا ريم لعلهم المستوطنين الأنجاس ..دعينا نرجع هيا يا أختاه ..هيا هيا ....سأحملك ..

_آآ خ آآ ه ..

_مجاهد ما بك ..

_أصبت أصبت يا ريم ..

_يا إلهي... مجاهد هل أنت بخير ..دعني أتحسس جرحك ..

_آآآخ آآخ ..دعيني دعيني يا ريم لا بد وأنهم قادمون إلى هنا هيا واذهبي الآن امضي ..امضي يا ريم ..

_لا لا يا مجاهد سأبقى هنا معك لن أدعك لوحدك ..

_هيا ياريم لا وقت الآن إذهبي تلمسي طريقك كما كنت تفعلين ..امضي حيث تلفح الشمس وجهك يا ريم ستصلين آآآخآآخ..

_مجاهد

_هيا هيا ياريم

_أخي... مجاهد... لا أستطيع

_شدها نحوه بقوة بلى يا ريم تستطيعين حيث تلفح الشمس وجهك ..أتذكرين ...هيا وامضي ..هيا الآن ..

_مضت متعثرة بظلمتها وبحجارة الحقل ..مضت تتحسس لفح الشمس ..مضت والدموع حرّى ..تنهمر من عينيها تندفع على أمل اللقاء ..

كانت ضرباتهم قاسية وموجعة ..انهالوا عليه برشاشاتهم ..لم يمهلهم القدر أن يتلذّذوا يتعذيبه ..ففي تلك اللحظات رأته معهم كان يقف هناك ..وشجرة التين تظله ..رأته ..

كانت روحه تنعم ..بفوز من رب الكعبة ..ووعد بلقاء أكيد .




2005

منتديات الساخر




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق